بتواضعه المعروف عنه، تحدث عن نفسه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي وقال إن التونسيين سيصدمون ويندهشون لو علموا بمرتبه الشهري وراح يعد القليل من أشيائه التي لا تصل حتى مكانة المواطن البسيط، ليضع ربما حجر الأساس لأجل أن يقدم كل رئيس دولة وبالخصوص كل مسؤول بما في ذلك البرلمانيين والوزراء والأميار أمام حقيقة كيف دخلوا جنة السلطة وكيف سيخرجون منها رغم أن الغالبية تدخل ولا تخرج إلا بالموت، مما يصعّب ويعقد مهمة متابعة ما حققوه في فترات حكمهم.
العرب لا يؤمنون بحكاية المرتبات التي يتقاضاها الملوك والرؤساء لأنها نسبية جدا فالزعيم العربي له البلاد بأكملها، وعندما سقط حسني مبارك ومعمرالقذافي وزين العابدين بن علي وصالح وكانوا جميعا يقولون إن رواتبهم رمزية ولا يأكلون ولا يلبسون إلا كبقية الناس، بل إن الراحل معمر القذافي قال مرة أن راتبه أقل من الزبالين والكناسين ووصف نفسه بأفقر رجل في ليبيا وفي العالم بأسره، اتضح أن بنوك العالم مكتنزة بمئات الملايير من الدولارات بأموالهم وبأطنان من الذهب والفضة والألماس وما خفي بالتأكيد أعظم وأهول، وإذا كان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك يستقل حاليا الميترو والقطار، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق يعيش في منزل في عمارة آهلة بالسكان البسطاء فإن ما تقدمه المجلة الأمريكية الشهيرة فوربس من تقارير موثقة يبقى بعيدا عن الدقة إذا تعلق الأمر بأجور بعض زعماء دول العالم الثالث، فهي تضع للعام العاشر على التوالي رئيس سنغافورة "لي هيسيان لونغ" في المركز الأول ضمن أغنى رؤساء المعمورة بمرتب شهري بلغ 83 ألف دولار شهريا أي أنه يفوق المليون أورو في السنة، ويأتي الرئيس الإيرلندي برايان كوين في المركز الأول على المستوى الأوروبي بأزيد عن 36 ألف دولار في الشهر غير بعيد عن مرتب رئيس الوزراء الإنجليزي الذي بلغ مرتبه 30 ألف دولار شهريا، وما زال مجلس العموم الإنجليزي يطالب بأن لا يبقى رئيس وزراء إنجلترا في هذه المرتبة المتقدمة أوروبيا ويطالب بتخفيض مرتبه، ومنذ أيام تم فتح نقاش سياسي واقتصادي في فرنسا بعد تسلم الرئيس الجديد فرانسوا هولاند مقاليد الحكم، حيث يرى اقتصاديون أن أجر هولاند الذي ورثه عن الرؤساء السابقين، وهو 28 ألف دولار كبير بالنسبة لبلد يعيش أزمة اقتصادية خانقة أو على الأقل هو على حافتها.
وتطالب شعوب وحكومات أوروبية ومنها إيطاليا واليونان والبرتغال بالتقشف، بينما ينعم الرئيس الفرنسي بأزيد عن 300 ألف دولار سنويا مما يعني أنه سيجمع أزيد عن مليون ونصف مليون دولار في عهدته الرئاسية، ورغم أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أنهى فترته الرئاسية بالالتقاء بالألمانية أنجيلا ماركل ورغم أن الرئيس الحالي فرانسوا هولند بدأ فترته الرئاسية بلقاء أنجيلا ماركل، إلا أن فرنسا لم تسر على خطى الألمان، حيث يقارب راتب الرئيس 20 ألف دولار فقط، وهو أقل من مرتب كل مدربي الدرجة الأولى في ألمانيا وأقل من مرتب خمسين بالمئة من لاعبي البوندسليغا خاصة المحترفين الأجانب منهم بما فيهم اللاعب الجزائري كريم مطمور الذي بلغ مرتبه عندما لعب لبوريسيا مانشنغلادباخ قرابة 30 ألف دولار ناهيك عن منح الفوز وغيرها من الامتيازات التي لا تحلم بها أنجيلا ماركل، وربما هذا ما جعله يستغني عن الخضر في هذه المرحلة؟
أما في خارج أوربا فإن سنغافورا أعطت لدول شرق آسيا برغم تطورهم اللافت في جميع المجالات هيبة للرؤساء في الوقت الذي دخل الرئيس الروسي السابق بوتين التاريخ، حيث اتضح أنه لا يملك من متاع الدنيا أكثر من قطعة أرض ومنزل متواضع من أربعة غرف وخمسين ألف دولار في حسابه الجاري ولما سألوه عن أمواله قال إن مرتبه لم يكن يكفيه لأن يخبئ منه للمستقبل وللأحفاد، كما يفعل رجالات المال والأعمال في روسيا الذين عاثوا بمرتبات مليونية وصاروا ظاهرة مالية عالمية، وحتى الرئيس الروسي الحالي عندما تسلم الحكم قام بانزال المرتب من 11 ألف دولار إلى تسعة آلاف دولار مع الإشارة إلى أن الرئيس الروسي محروم من الكثير من الامتيازات التي يتمتع بها رؤساء إفريقيا بينما في أمريكا برغم شفافية الحكم، إلا أن الرئيس الأمريكي يعتبر من أكثر رؤساء المعمورة راتبا، حيث يتقاضى باراك أوباما قرابة 45 ألف دولار، وكان الراتب لا يتعدى في عهد بيل كلينتن أزيد عن عشرين ألف دولار شهريا، ولكن المفاجأة لصادمة التي كشفتها وثائق ويكليكس وأيضا أطرافا عراقية وأمريكية هي أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يتقاضى ضعف ما يتقاضاه الرئيس الأمريكي بـ 200 مرة أي أن راتبه هو الأعلى في العالم وفي تاريخ رؤساء وملوك المعمورة، ولكن اسمه سقط عن تصنيف مجلة فوربس لأن كل شيء يُعمل في العراق تحت الطاولة وفي الخفاء، رغم أن مرتب جلال طالباني لا يزيد عن 8 آلاف دولار، ناهيك عن الامتيازات الأخرى والنسبة التي يأخذها من مشاريع أمريكا البترولية التي جفت ينابيع النفط العراقية.
أما بالنسبة للدول العربية فإن آخر حديث عن مرتب رئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة توقف عند مبلغ 26 مليون سنتيم شهريا وهو أقل من مرتب عضو بالمجلس الشعبي الوطني الذي يفوق 30 مليون سنتيم شهريا، وتبقى موريتانيا من الدول القليلة التي تعلن عن مرتب رئيسها حيث سبق للقصر الرئاسي وأن أكد أن الرئيس سيدي محمد ولد شيخ عبد الله يتقاضى 30 ألف دولار مما جعل الرئيس الموريتاني في المركز الأول عربيا، كما أن الوضع في لبنان يجعل الحكومة اللبنانية تقر بمرتبات رئيس البرلمان الشيعي ورئيس الحكومة السني ورئيس الجمهورية المسيحي والذي يبلغ 10 آلاف دولار فقط بالنسبة للثلاثة، تبقى الإشارة إلى أن مرتب الناخب الوطني وحيد خاليلوزيتش هو 100 ألف أورو أي أنه أكبر من مرتب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عكس مساعده نورالدين قريشي الذي يتقاضى 4000 أورو فقط أي مثل حراس وخدّام البيت الأبيض في واشنطن، وفي كل التقارير الإعلامية خاصة التي تنشرها مجلة فوربس تسقط مرتبات الملوك والأمراء مما يؤكد أن ذكر المرتبات لا تعني الشعوب ولا حتى الحكام أمام قناعة وأن كل شيء في البلاد ملك للزعيم.
