تربية النبي صلى الله عليه وسلم
لأصحابه رضي الله عنهم
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليماً كثيراً، أَمّا بعد:
عباد الله! اتقوا الله تعالى كما أمركم بذلك، فقال سبحانه:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "
عباد الله! اعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ربى أصحابه على المحبة واجتماع القلوب، فقد كان أول عمل قام به صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتأسيس بناء المسجد النبوي، واشترك المسلمون جميعاً في البناء، وعلى رأسهم إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان أول عمل تعاوني عام، وَحَّد بين القلوب، وأظهر الهدف العام للعمل، وقد كان لكل حي في المدينة – قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم– مكان يلتقون فيه، فيسمرون ويسهرون، وينشدون الأشعار، فكانت هذه الحال تدل على الفرقة والاختلاف، فعندما بُنيَ المسجد كان مركز المسلمين جمعياً، ومكان تجمعهم، يلتقون به في كل وقت، ويسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمهم ويرشدهم ويوجههم([1]).
وبهذا تجمعت الأندية، والتفَّت الأحياء، واقتربت القبائل، وتحابَّت البطون، وانقلبت التفرقة إلى وحدة، ولم تعد في المدينة جماعات، بل جماعة واحدة، ولم تعد زعامات، بل قائد واحد، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتلقى من ربه الأوامر والنواهي، ويُعلِّم أمته، فأصبح المسلمون صفاً واحداً، وامتزجت النفوس والعقليات، وتقوت الوحدة، وتآلفت الأرواح، وتعاونت الأجسام([2]).
ولم يكن المسجد موضعاً لأداء الصلوات الخمس فحسب، بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته، ويجتمعون فيه، وتلتقي فيه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها وقاعدة لإدارة جميع الشؤون، وبثّ الانطلاقات، وموضعاً لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية.
ولهذا ما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكان في المدينة إلا كان أول ما يفعله بناء مسجد يجتمع فيه المؤمنون، فقد أقام مسجد قباء حين أقام فيها، وصلى الجمعة في بني سالم بن عوف، بين قباء والمدينة، في بطن وادي (رانوناء) فلما أن وصل إلى المدينة كان أول عمل عمله بناء المسجد فيها([3]).
* كما قام النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد ووحّد بين القلوب كذلك قام صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وهذا من الرشد، والكمال النبوي، والنضج السياسي، والحكمة المحمدية([4]).
([1]) انظر: البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه 7/239، 240 (رقم 3906).
( [2]) انظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 2/161، 162، والرحيق المختوم ص179.
( [3]) انظر: السيرة النبوية دروس وعبر، ص74، وفقه السيرة ص189، وهذا الحبيب يا محب ص180.
( [4]) انظر: هذا الحبيب يا محب، لأبي بكر الجزائري ص178.