سم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
فهذه
سلسلة من الموضوعات حول علم التجويد والقراءات أنقلها لكم من كتاب (غاية
المريد فى علم التجويد) لفضيلة الشيخ عطيه قابل نصر (عميد معهد القراءات
بالقاهرة سابقاً، والمدرس بقسم القراءات بكلية المعلمين بالرياض) سائلاً
المولى سبحانه وتعالى أن ينفع بها، وأن تكون فى رصيد حسناتنا، وكما يقول
النبى الكريم (صلى الله عليه وسلم): " الدال على الخير كفاعله ".
نبدأ بالموضوع الأول: فضل القرآن الكريم وفضل تلاوته:
1- فضل القرآن الكريم:
القرآن
الكريم هو كلام الله المنزل على رسوله محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-
المتعبد بتلاوته، المتحدي بأقصر سورة منه، والمنقول إلينا نقلا متواترًا.
هذا
القرآن: هو الكتاب الْمُبِين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا منخلفه
تنزيل من حكيم حميد، وهو المعجزة الخالدة الباقية المستمرة على
تعاقبالأزمان والدهور إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها.
وهو حبل الله
المتين والصراط المستقيم والنور الهادي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم،
فيه نبأ ما قبلكم وحكم ما بينكم وخير ما بعدكم، هو الفصل ليسبالهزل، من
تَرَكَهُ من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلَّها الله، من قال
به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه فقد هدى إلى صراط مستقيم.
هذا
القرآن: هو وثيقة النبوة الخاتمة، ولسان الدين الحنيف، وقانون
الشريعةالإسلامية، وقاموس اللغة العربية، هو قدوتنا وإمامنا في حياتنا، به
نهتدي،وإليه نحتكم، وبأوامره ونواهيه نعمل، وعند حدوده نقف ونلتزم،
وسعادتنا فيسلوك سننه واتباع منهجه، وشقاوتنا في تَنَكُّبِ طريقه والبعد عن
تعاليمه.
وهو رباط بين السماء والأرض، وعهد بين الله وبين عباده، وهو
منهاج الله الخالد، وميثاق السماء الصالح لكل زمان ومكان، وهو أشرف الكتب
السماوية، وأعظم وحي نزل من السماء.
وباختصار فإن كلام الله سبحانه
وتعالى لا يدانية كلام، وحديثه لا يشابهه حديث قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ
مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} 1 .
ولقد رفع الله شأن القرآن ونوَّهَ بعلوِّ منزلته فقال سبحانه:
{تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى} 2
كما
وصفه سبحانه وتعالى بعدة أوصاف مبينًا فيها خصائصه التي مَيَّزَه بهاعن
سائر الكتب فقال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ،
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ
وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 3
وقال أيضًا: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} 4.
والرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- يبين لنا أن الإنسان بقدر ما يحفظ من آيات
القرآن وسوره بقدر ما يرتقي في دَرَجِ الجنة وذلك فيما يرويه عبد الله
بنعمرو ابن العاص -رضي الله عنهما- عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
"يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتِّل كما كنت ترتِّل في دار الدنيا فإن
منزلتَك عند آخرِ آيةٍ تقرأُ بها" 5.
كما يوضح لنا صلى الله عليه وآله
وسلم أن قراءة القرآن يطيب بها الْمَخْبَرُ والْمَظْهر فيكون المؤمن القارئ
للقرآن طيبَ الباطن والظاهر،إن خبرت باطنه وجدته صافيًا
ـــــــ
1 سورة النساء: 87.
2 سورة طه: 4.
3 سورة المائدة: 15، 16.
4 سورة النحل: 89.
5
رواه الترمذي، رقم: 2915 في ثواب القرآن، وأبو داود رقم: 1464 في
الصلاة،باب استحباب الترتيل في القراءة، ورواه أيضًا أحمد في المسند "2/
192"،وإسناده حسن، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص502".
نقيًّا، وإن
شاهدت سلوكه وجدته حسنًا طيبًا. فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأالقرآن مثل
الأَتْرُجَّةِ: ريحُها طيبٌ وطعمُها طيبٌ، ومثل المؤمن الذي لايقرأ القرآن
مثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل
الرَّيحَانَةِ: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن
كمثل الحنظلة: لا ريح لها وطعمها مر" 1.
ويخبرنا عبد الله بن مسعود أن
من أحب القرآن يحبه الله ورسوله فيقول: "من أحب أن يحبه الله ورسوله
فلينظر: فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله"2.
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تبين فضل القرآن، فمن أراد المزيد فليرجع إلى كتب الحديث فهي زاخرة بمثل ذلك.
ـــــــ
1
أخرجه البخاري "9/ 58" في فضائل القرآن، ومسلم رقم: 797، باب فضيلة حافظ
القرآن، والترمذي 2869، باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير
القارئ، وأبو داود 4830، والنسائي "8/ 124، 125"، وابن ماجه 214،انظر جامع
الأصول "ج: 2، ص453". 2 قال الهيثمي في مجمع الزوائد "ج: 7،ص165" باب فضل
القرآن، رواه الطبراني ورجاله ثقات.
2- فضلُ تلاوةِ القرآنِ الكريمِ:
إن
من أجلِّ العبادات وأعظم القربات إلى الله -سبحانه وتعالى- تلاوة القرآن
الكريم، فقد أمر بها سبحانه وتعالى في قوله: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ
مِنَ الْقُرْآنِ} 1، كما أمر بها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما
رواه أبو أمامة -رضي
ـــــــ
1 سورة المزمل: 20.
(1/11)
________________________________________
الله عنه- حيث قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه" 1.
وقد
أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بما أعدَّه الله لقارئ القرآن الكريم من
أجرٍ كبير، وثواب عظيم وذلك فيما رواه عبد الله بن مسعود قال: قال رسول
الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة
والحسنة بعشر أمثالها لا أقول "الم" حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف"
2.
كما بين صلوات الله وسلامه عليه أن من جوَّد القرآن وأحسن قراءته،
وصار متقنًا له ماهرًا به عاملا بأحكامه فإنه في مرتبة الملائكة المقربين،
وذلك فيما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم: "الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البررة،
والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شاقٌ له أجران" 3.
كما أن
الله -عز وجل- يوضح لنا في محكم كتابه أن الذين يداومون على تلاوة القرآن
آناء الليل وأطراف النهار ويعملون بأحكامه، ويحذرون مخالفته أولئك يوفيهم
الله ما يستحقونه من الثواب ويضاعف لهم الأجر من فضله.
يقول سبحانه:
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ
وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ
تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ
فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} 4.
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث
التي تبين فضل تلاوة القرآن الكريم، وتثبت ما لقارئ القرآن الكريم من فضل
كبير وثواب عظيم عند الله عز وجل.
ـــــــ
1 جزء من حديث، أخرجه مسلم في باب: فضل قراءة القرآن.
2
أخرجه الترمذي ح رقم: 1912، باب: ما جاء فيمن قرأ حرفًا من القرآن ما له
من الأجر"، ورواه أيضًا الدارمي وغيره وهو حديث صحيح، انظر جامع الأصول "ج:
8، ص498".
3 أخرجه البخاري ومسلم، وكذا أبو داود والترمذي برواية أخرى، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص503".
4 سورة فاطر: 29، 30.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى ...