ابو ايوب عضو دائم
السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/04/2011
| موضوع: " الجمهورية " في جولة إستطلاعية إلى سوق الماشية الأسبوعي ببوقطب الإثنين أكتوبر 22, 2012 2:30 am | |
| " الجمهورية " في جولة إستطلاعية إلى سوق الماشية الأسبوعي ببوقطب
بارونات المال يلهبون أسعار " المال"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
. الكبش بـ 8 ملايين سنتيم الحولي بـ 35 ألف دج , و النعجة بـ 26 ألف دج كانت الساعة تشير إلى العاشرة إلا الربع صباحا عندما قمنا بجولتنا الإستطلاعية إلى سوق الماشية الأسبوعي ببوقطب ولاية البيض الذي يفتح أبوابه أمام الموالين والمواطنين كل يوم ثلاثاء,لاحظنا عند مدخل السوق العديد من الشاحنات التي قدمت من مختلف الولايات على غرار البيض والنعامة وسعيدة وحتى من الولايات البعيدة كالمسيلة وقسنطينة وغرداية و كذا الجزائر العاصمة والأغواط ,كان اليوم حارا وحارقا يلفح الوجوه والأبدان تملكنا حينها إحساس بأن أسعار الماشية ستكون ملتهبة تماما مثل أشعة الشمس اللافحة , لاحظنا عند مدخل الباب وجود شرطيين كانا يراقبان كل شاردة وواردة بل وأن أعينهم كانت وقتها لا تفارق الموالين و المواطنين الذين كانوا يدخلون فرادى وجماعات إلى هذه السوق حرصا على ضمان أمنهم و سلامتهم وحمايتهم من كل مكروه قد يصيبهم , ففهمنا حينها بأن هذا الفضاء التجاري الوطني المخصص لتسويق مختلف أنواع الأغنام و الأبقار و حتى الأحصنة معرض لكل أنواع السرقات و حتى الإعتداءات بإعتبار أنه مكان تتم فيه مبادلات تجارية بملايير السنتيمات.....
شرطيون بزي موالة !
هذه ليست نكتة أو حكاية من نسج الخيال بل حقيقة وقفنا عليها و نحن نقوم بجولتنا الصحفية التي قادتنا إلى هذا المكان ,حيث علمنا من أحد ضباط الشرطة الذي وجدناه واقفا عند مدخل الباب بأن هذه السوق تعد مرتعا للصوص الذين يأتون من خارج الولاية لسرقة الموالين الذين يجلبون ماشيتهم بغية إبتياعها هاهنا لذلك تم الإستعانة برجال أمن بالزي المدني متنكرين بلباس" الموالة "حتى لا ينكشف أمرهم و يسهل عليهم أمر تعقب ومطاردة هؤلاء الصعاليك الذين كثيرا ما سببوا الكثير من الإزعاج و القلق لهؤلاء التجار الذين يخافون على ماشيتهم و أموالهم من السرقة , حيث كشف لنا ذات المصدر بأنه تم تجنيد الكثير من هؤلاء " الموالة " المزيفين الذين يرتدون ملابس تشبه إلى حد كبير ما يرتديه الموالون الذين يشتغلون في هذه الحرفة كالقشابية والعمامة والشاش , بل وتجدهم يحملون منسأة يهشون بها على الغنم ويتكئون عليها عند الحاجة ,حتى لا ينكشف أمرهم ويصعب على اللصوص معرفتهم مؤكدا أن هذه الطريقة مكنتهم من إلقاء القبض على العديد منهم و تسليمهم للعدالة بغية محاكمتهم وهو الأمر الذي إرتاح له الكثير من الموالين الذين لطالما إشتكوا من هذه الظاهرة المتفشية في السوق ....
سعير أم أسعار ؟
لم نرد أن نطيل الكلام كثيرا مع هذا الضابط حتى نتمكن من ولوج هذا المكان الذي كان وقتها مليئا بتجار الماشية الذين يفوق عددهم الألفي موال و الذين بدت على وجوهم علامات التعب و الإرهاق بإعتبار أنهم بدأوا مزاولة نشاطهم على الساعة الثالثة صباحا و هو التوقيت الرسمي لإفتتاح السوق , و لكنهم و على الرغم من ذلك كان كل واحد منهم يأمل أن يكون اليوم مباركا و ربحهم وفيرا , إقتربنا من أحدهم و سألناه عن أسعار الماشية التي كان يبيعها للمشترين فأجابنا دون تردد أن الأسعار هذه السنة شهدت إرتفاعا محسوسا و غير إعتيادي بخلاف العام المنصرم التي كانت معقولة وفي متناول الجميع , مشيرا إلى أن سعر الحولي بالجملة يقدر بحوالي 35 ألف دج و الكبش بـ 49 ألف دج و أما النعجة الحولية فقد بلغت 26 ألف دج !!! ,
و أرجع هذا الموال سبب هذا الإرتفاع المذهل في أثمان الماشية إلى غلاء العلف الذي لم ينخفض سعره على الرغم من دعم الدولة , تركنا هذا الأخير منهمكا مع أحد المشترين الذي كان يسأل عن أسعار غنمه لنقصد موالا آخر كان كبير السن مصحوبا بالعديد من أبنائه الذين جاؤوا لمساعدته في عملية البيع , دخلنا في صلب الموضوع و سألناه عن مصدر ماشيته فأجابنا بلهجة سكان الوسط الجزائري " سلعة الجلفة و شابة ياسر " موضحا أن سلعته ذات نوعية جيدة و كثيرة الطلب في الأسواق و لكن للأسف لا يتحمل إرتفاع أسعارها التي زادت بشكل فظيع حيث قال لنا بأن ثمن الخروف يقدر بـ 38 ألف دج و أما سعر الكبش فقد بلغ بـ80 ألف دج , و بالبفعل فقد لاحظنا أن الكباش التي كان يبيعها سمينة و نظيفة بل و أنها تملك قرونا طويلة و صوفا كثيفة و لكنه أكد لنا بأن البيع لم يكن كما كان يتمناه حيث أنه في العام الماضي كان يبيع ماشيته عند مدخل السوق لسعرها المناسب و لنوعيتها الجيدة و لكن هذه السنة الأمور إنقلبت رأسا على عقب و لم تجر الرياح كما إشتهى هؤلاء الموالون ..... واصلنا جولتنا الإستطلاعية التي قادتنا إلى هذه السوق التي كان فيها قرابة الـ 30 رأس غنم و من مختلف الأنواع و الأحجام و قد شعرنا صراحة أن الأسعار كانت مرتفعة و أنها كانت متقاربة بين التجار الذين أجمعوا بأنها زادت بقرابة المليون سنتيم عن السنة الماضية ,
و هو الأمر الذي جعل المشترين في حيرة من أمرهم لاسيما المضاربين الذين كانوا تائهين يتصيدون فريسة سهلة و رخيصة الثمن لينقضوا عليها و يشتروها بثمن يلائمهم و يمكنهم من تحقيق ربح وفير لمّا يسوقونها في أسواق التجزئة للمواطنين قبيل العيد الأضحى المبارك .... المضاربون يضربون فوق الأعناق
من سخرية القدر و نحن نجري جولتنا الإستطلاعية إلى السوق الأسبوعي للماشية ببوقطب و بينما كنا نستجوب بعض الموالين حول أسباب الإرتفاع الفاحش لأسعار الغنم هذه السنة صادفنا في طريقنا أحد السماسرة من البويرة الذي و بمجرد أن علم أننا بعثة صحفية قدمنا من وهران خصيصا لإستطلاع أحوال سوق المواشي أياما قبيل عيد الاضحى المبارك حتى إقترب منا و أخبرنا أنه سمسار قديم و له خبرة تزيد عن العشرين عاما في هذا المجال وأنه لم يشهد قط إرتفاعا في أسعار الكباش مثلما عرفته أثمان هذه السنة بل و أنها تعدت خطوطا حمراء لا يمكن لأحد إيجاد تفسير منطقي لها عدا أنها غير مبررة و سببها جشع الموالين أنفسهم الذين يريدون تعويض نفقات مصاريف العلف و الماء و التلقيح و النقل إلى آخره برفعهم لأثمانها دون مراعاة ضوابط السوق و مشاعر المواطنين المقبلين على آداء هذه السنة النبوية الشريفة ,
و صرح لنا أنه لم يتمكن من شراء مواش من عند هؤلاء الموالين لإبتياعها في أسواق التجزئة بالبويرة لغلاء أثمانها و لكن لاحظنا بأن هذا الكلام ليس صحيحا 100 بالمائة على إعتبار أن هذه السوق كانت تعج بهؤلاء السمارة الذين يقومون بتسويق الخرفان بهامش ربح خيالي قد يتعدى كل معقول , و فعلا فقد وقفنا على عمليات بيع و شراء سريعة و ظرفية في عين المكان حيث يقوم هؤلاء السماسرة بشراء المواشي من عند الموالين و مربي الخراف بأثمان ويقومون ببيعها لسماسرة آخرين بأسعار أخرى و قد تستمر عملية السمسرة لتتجاوز ثلاثة إلى أربع تعاملات لتصل إلى المستهلك غالية و مرتفعة مما تجعله عاجزا غير قادر على شرائها , بل و الأغرب من ذلك أن هؤلاء البارونات الذين يضربون فوق الأعناق و يضربون كل بنان وجدناهم ينتظرون أمام مدخل السوق يسترقون النظر علّ و عسى يعثرون على صفقة العمر من عند بعض الفلاحين و مربي الغنم الذين يجلبون مواشيهم بغرض تسويقها في هذا الفضاء التجاري الشهير فيشترونها عليهم بثمن معين و يبيعونها بثمن آخر منفوخ و مرتفع أضعافا مضاعفة لا يمكن للمسكين أن يقتنيها لأبنائه الصغار......
إنتعاش السوق آخيرا .....
كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار إنقلبت الأمور بـ 180 درجة حيث لاحظنا في بداية هذه الزيارة التي قادتنا إلى هذا المكان التجاري أن عملية البيع و الشراء كانت تمشي بخطى السلحفاة , الكل حائر و الكل ينتظر من يسوق بضاعته في أقرب وقت ممكن حتى يعود من حيث أتى ليستريح من تعب الإستيقاظ الباكر و الوقوف الطويل يراقب ماشيته و يهش بعصاه على الخرفان الصغيرة و النعاج التي تحاول الهروب و النجاة بنفسها من الحبال و الأسلاك التي تخنق رقابها و أرجلها , و لكن و بعد أزيد من ساعة و نصف بدأت الامور تنتعش رويدا رويدا حيث لاحظنا إنتعاشا للسوق و بدأت عملية البيع و الشراء تزداد مع مرور الوقت و هذا بسبب قيام بعض التجار بتخفيض الأسعار بنسبة تتراوح بين 10 و 20 بالمائة وفعلا لاحظنا أن الحولي الذي كان يباع بـ 35 و36 ألف دج في الصباح صار بـ 34 و 33 ألف دج و أما الكبش الذي كان بـ 49 ألف دج إنخفض إلى 48 و حتى 47 و 46 ألف دج فضلا عن إنخفاض الحولية إلى 24 ألف دج بعدما كانت في حدود الـ 26 ألف دج هذا الأمر أنعش السوق و جعلها تأخذ منحى آخر إذ لاحظنا صراحة تغيّرا في ملامح التجار و ظهرت عليهم ملامح الفرح و السرور بإعتبار أن غالبيتهم كان يخشى أن يصيب الركود سلعته و تبقى مكدسة كما يكدس السمك في الصندوق , إذ بدأ بعض السماسرة في إبتياع ما جادت به السوق من ماشية ذات جودة و نوعية جيدتين , و شرع العديد من الموالة في مغادرة مدينة بوقطب بعدما سوّقوا بضاعتهم التي جاؤوا بها إلى هذا الفضاء التجاري الذي تزيد مساحته عن الـثلاثة هكتارات بل و لمحنا الكثير من الشاحنات وهي محملة بالماشية تخرج الواحدة تلوى الاخرى عائدة من حيث أتت و أصحابها كلهم أمل في تسويقها بسرعة في أسواق التجزئة حتى يعودوا في الأسبوع المقبل لشراء المزيد من الماشية ..... هكذا إذن كانت الأمور حركة , نشاط , حيوية و صار الجميع غير مبال بحرارة الشمس الساطعة و الغبار المتناثر الذي كان يخنق حناجر كل من كان متواجدا في هذا المكان .....
رائحة النقود في خيام الأكل الخفيف
لفت إنتباهنا ونحن نزور بعض الخيام المنصوبة عند مدخل السوق المتخصصة في بيع الأكلات الخفيفة تداولا غير إعتيادي للأوراق النقدية و من مختلف العملات , لم تكن لغة " الموالة " و " المعاودية " الذين وجدناهم جالسين في مقاعد من خشب سوى " الدراهم " و " الشكارة " و " الطورو " , منهم من كان يحسب و يعد أمواله التي ظفرها من " المال " الذي باعه و البعض الآخر كان ينتظر قدوم شاحنات أخرى مليئة بالشياه للفوز بصفقات مالية جديدة , و آخرون لمحنا في محياهم مشاعر الخيبة و الأسى على إعتبار أنهم لم يجدوا خرافا بأسعار تناسبهم , فإنتهزنا فرصة تواجد أحدهم بهذه الخيمة المخصصة لبيع الأكل الخفيف و الشاي المعطر لنسأله عن سبب تواجده بهذا المكان فأجابنا بأنه جاء هاهنا لأخذ قسط من الراحة و تناول الغذاء و أنه قد تواعد مع أحد السماسرة لإتمام صفقة بيع ماشية مؤكدا لنا بأن بارونات المال و " الشكارة " هم من تسببوا في هذه الزيادات الفاحشة لـ " المال " و أنهم هم من يقوموا بالتأثير على السوق من خلال تحكمهم في العرض و الطلب و مضيفا بأنه إعتاد على التعامل مع هؤلاء " البزناسية " الذين يأتون في الصباح الباكر على متن شاحناتهم لشراء البعير و البقر و الأحصنة و يدفعون الأموال كاملة غير منقوصة , خاتما قوله بأن هذه السوق تعد من بين أشهر أسواق الماشية على المستوى الوطني على إعتبار أنها تقدم خرافا ذات نوعية جيدة و بأسعار تنافسية .....
" البراح " لا يبرح السوق
شدّ إنتباهنا و نحن نقوم بجولتنا الإستطلاعية إلى هذا الفضاء التجاري الضخم تواجد شيخ كبير السن أنهكته نوائب الظهر و أرهقته حرفته الأصيلة التي يمتهنها منذ سنوات طوال , كان حينها حاملا بيده اليمنى المتجعدتين مكبرا للصوت أبيض اللون و صغير الحجم , يهرول و يمشي بخطى متسارعة رافعا صوته و هو يقول " لي شاف نعجة فيها شرطة حمرا يرجعها " وقتئذ فهمنا أن أحد " الموالة " فقد شاةً و لم يجد سبيلا غير الإتصال بهذا البراح الذي لم يتوان في البحث عنها و لما لا إرجاعها لصاحبها الذي أضاعها بين ذلك العدد الضخم من الماشية التي كانت متواجدة بالسوق , الأمر الذي دفعنا للتقرب منه و استجوابه فسألناه عن حرفته هذه , فأجاب بأنه امتهنها منذ نعومة أظافره وبأنه ورثها أبا عن جد و هي قديمة و ناجعة على إعتبار أنها سمحت له في الكثير من الأحيان بإرجاع الكثير من الكباش و النعاج الضائعة , مؤكدا أن هذه الحرفة وإن كانت متعبة و منرفزة أحيانا على أساس أنها تقتضي الكثير من الصبر و الوقت إلا أنها مكنته من ضمان قوت يومه و قوت عائلته التي يعيلها ....
هكذا كانت جولتنا الإستطلاعية إلى هذه السوق التي دامت أزيد من ساعتين , إذ مكنتنا من أخذ صورة و لو مبسطة عن أحوالها و ما تخفيه من أسرار لا يعرفها إلا من غاص في أعماقها بدءًا بإرتفاع أسعار ماشيتها المعروضة على مساحتها المسيجة بالإسمنت إلى طريقة تسويقها و كيفية بيعها و أخيرا سيطرة بارونات المال عليها و على أسهمها , و لكن الأمر الذي تأكدنا منه هو أن الأسعار كانت جد مرتفعة و أن التهم كانت متبادلة بين " الموالة " و " السماسرة " غير أن المتضرر الوحيد و لا جرم في ذلك هو المواطن البسيط الذي لا يملك الأموال الكافية التي تمكنه من شراء أضحية العيد . | |
|