أحكام وآداب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
آداب النصيحة
لا بد أن يتحلى الناصح بآداب النصيحة حتى تقع نصيحته من المنصوح موقع القبول، ومن هذه الآداب:
1- أن يقصد بنصيحته وجه الله عز وجل:
لا بد للناصح من أن يقصد بنصحه وجه الله عز وجل؛ إذ بهذا القصد يستحق الثواب والأجر من الله تعالى، ويستحق القبول لنصحه من العباد، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (متفق عليه)، وبتخلف هذا القصد ينال السخط والعقاب من ربه عز وجل، ويوغر صدور الناس عليه، ومنهم المنصوح، ويبعد الناس عن نفسه.
2- أن لا يقصد التشهير:
لا بد أن يحرص الناصح على عدم التشهير في نصحه بالمنصوح له، وهذه آفة يقع فيها كثير من الناس، تراه يُخرج النصيحة في ثوب خشن، ولكن إذا دققت فيها وجدت أنه يقصد التشهير بالمنصوح، وهذا ليس من أدب النصيحة في شيء، وليس من أخلاق المسلمين، وربما أفضى ذلك إلى حصول سوء، أو زيادة شر، ولم تؤت النصيحة ثمرتها المرجوة. ولهذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد أن ينهى عن شيء فإنه لا يذكر الأشخاص، وإنما يقول: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ» (متفق عليه). وهذا فيه دليل على أن المهم من الأمور والقضايا: القضية نفسها دون ذكر الأشخاص في بعض الأحيان.
وترك ذكر اسم الشخص المنصوح فيه فائدتان عظيمتان:
الفائدة الأولى: الستر على هذا الشخص.
الفائدة الثانية: أن هذا الشخص ربما تتغير حاله؛ فلا يستحق الحكم الذي يحكم عليه في الوقت الحاضر؛ لأن القلوب بيد الله. (شرح رياض الصالحين
للعثيمين (2/215)).
3- أن يكون النصح في السر:
ذلك لأن المنصوح امرؤ يحتاج إلى جبر نقص وتكميله، ولا يسلم المرء بذلك من حظ نفسه إلا لحظة خلوة وصفاء، وهذه اللحظة تكون عند المسارّة في السر، وعندها تؤتي النصيحة ثمرتها، ولا يكون الناصح عونًا للشيطان على أخيه، فإن الناصح في ملأٍ يعين الشيطان على صاحبه، ويوقظ في نفسه مداخل الشيطان، ويغلق أبواب الخير، وتضعف قابلية الانتفاع بالنصح عنده.
ولهذا المعنى فقد حرص سلفنا الصالح رضوان الله عليهم على النصح في السر دون العلن، وفي هذا المقام يقول الحافظ ابن رجب-رحمه الله-: «كان السَّلفُ إذا أرادوا نصيحةَ أحدٍ، وعظوه سراً»، حتّى قال بعضهم: «مَنْ وعظ أخاه فيما بينه وبينَه فهي نصيحة، ومن وعظه على رءوس الناس فإنَّما وبَّخه»، وقال الفضيل-رحمه الله-: «المؤمن يَسْتُرُ ويَنْصَحُ، والفاجرُ يهتك ويُعيِّرُ»، ويعقب الحافظ ابن رجب-رحمه الله- على كلمة الفضيل فيقول: «فهذا الذي ذكره الفضيل من علامات النصح، وهو أن النصح يقترن به الستر، والتعيير يقترن به الإعلان» (الفرق بين النصيحة والتعيير(ص36)).
وقال الإمام الشافعي-رحمه الله-: «من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه» (انظر: الحلية (9/140))، ويقول الإمام أبو محمد ابن حزم-رحمه الله-: «وإذا نصحت فانصح سراً لا جهراً، وبتعريض لا تصريح، إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك، فلا بد من التصريح» (الأخلاق والسير: (ص44))، وإذا نظرت فيما نقلناه هنا، ثم قارنت ذلك بما يقع فيه أولئك الذين يرفعون أصواتهم بنصح الناس على الملأ، ثم سألتهم: ما الثمرة التي تحققت من النصح في الجهر والعلن؟ إنها إصرار المنصوح على الخطأ والتقصير، وإيغار الصدور على الناصح، وسوء الظن بالناس، وقطع الروابط والعلاقات بين الناصح والمنصوح، وكل هذا يقع تحت لائحة عريضة هي: إعانة الشيطان على أخيك.
4- أن يكون النصح بلطف وأدب ورفق:
لا بد للناصح من أن يكون لطيفاً رقيقاً أديباً في نصحه لغيره، وهذا يضمن استجابة المنصوح للنصيحة؛ ذلك لأن قبول النصح كفتح الباب، والباب لا يُفتح إلا بمفتاح مناسب، والمنصوح امرؤ له قلب قد أُغلق عند مسألةٍ قصّر فيها إن كانت أمراً مطلوباً للشارع، أو وقع فيها إن كانت أمراً ممنوعاً من الشارع. وحتى يترك المنصوح الأمر أو يفعله لا بد له من انفتاح قلبه له، ولا بد لهذا القلب من مفتاح، ولن تجد له مفتاحاًً أحسن ولا أقرب من لطف في النصح، وأدب في الوعظ، ورفق في الحديث، كيف لا وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: )وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ( (آل عمران: 159)، وقال حين أرسل موسى وهارون -عليهما السلام- إلى فرعون: }فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (طه: 44)، وقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ» (مسلم 2593)، وكان يقول إذا بعث بعثًا: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا» (متفق عليه)، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ» (مسلم، 2594)، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ» (مسلم 2592).
وقال عبد العزيز بن أبي داود-رحمه الله-: «كان مَنْ كان قبلكم إذا رأى الرجلُ من أخيه شيئاً يأمره في رفق، فيؤجر في أمره ونهيه، وإنَّ أحد هؤلاء يخرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك ستره» (جامع العلوم: (ص:77)).
فانظر عبد الله حال من نصح بشدة وغلظة وفظاظة، كم من باب للخير قد أغلق؟ وكم من منصوح قد صد عن الله! وكم من صديق قد أوغر صدره على نفسه، وكم من أذًى قد أوقع على أخيه في الله! وكم من الأجر قد فاته؟ وكم قد أعان الشيطان على إخوانه؟ وانظر في الجهة المقابلة إلى حسن الرفق في النصيحة، فكم من قلب مغلق قد فتح! وكم من حق ضاع قد حُفظ! وكم من نقصٍ قد استكمل! وكم من أخوة قد رُوعيت! وكم من تأخر عن الركب قد أدرك؟ وكم من الأجر قد تحصل! وكم من إرغام للشيطان قد كان! قارن عبد الله بين الحالتين لترى الفرق، والله يرعاك. (انظر: فقه النصيحة).
5- عدم الإلزام:
من واجب الناصح أن ينصح غيره، ولكن ليس من حقه أن يُلزم غيره بما ينصحه به؛ لأن هذا ليس من حقه، بل هو حق للحاكم في رعيته، والناصح دالٌّ على الخير، وليس آمرًا بفعله. أما الحاكم فهو آمِرٌ بفعل الخير، ناهٍ عن فعل الشر، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن حزم-رحمه الله-: «ولا تنصح على شرط القبول منك، فإن تعديت هذه الوجوه، فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة وملك، لا مؤدي حق أمانة وأخوة، وليس هذا حكم العقل، ولا حكم الصداقة، لكن حكم الأمير مع رعيته، والسيد مع عبيده، لا تكلف صديقك إلا مثل ما تبذل له من نفسك، فإن طلبت أكثر فأنت ظالم» (الأخلاق والسير: (ص44))، ويقول أيضاً -رحمه الله-: «فإن خشنت كلامك في النصيحة فذلك إغراء وتنفير، وقد قال الله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً (طه: 44). وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ تُنَفِّرُوا» (متفق عليه)، وإن نصحت بشرط القبول منك، فأنت ظالم، أو لعلك مخطئ في وجه نصحك، فتكون مطالباً بقبول خطئك، وبترك الصواب» (الأخلاق والسير: (ص48)).
ومما نقلنا لك تعرف أن للناصح أن يقول الكلمة، ويصدر التوجيه فقط، وليس له أن يُلزم غيره بالأخذ بما قال، فإن ذلك واجب القاضي والحاكم، والقاضي والحاكم قلة في المجتمع لطلبهما الإلزام، والناصح لفرد مكلف في المجتمع، فإذا كان لكل ناصح أن يلزم غيره بقوله، أصبح كل المجتمع حكاماً وقضاة، وعندها فمن يكون المحكوم والرعية؟
6- اختيار الوقت المناسب للنصيحة:
لا بد للناصح من اختيار الوقت المناسب الذي يسدي فيه النصيحة للمنصوح؛ لأن المنصوح لا يكون في كل وقت مستعداً لقبول النصيحة، فقد يكون مكدراً في نفسه بحزن أو غضب أو فوات مطلوب، أو غير ذلك مما يمنعه من الاستجابة لنصح الناصح. لذا فاختيار الوقت المناسب والظرف المناسب من أكبر الأسباب لقبول النصيحة وإزالة المنكر، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «أَرِيحُوا الْقُلُوبَ فَإِنَّ الْقَلْبَ إذَا كَرِهَ عَمِيَ»، وَقَالَ أَيْضًًا: «إنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وَإِقْبَالاً، وَفَتْرَةً وَإِدْبَارًا، فَخُذُوهَا عِنْدَ شَهْوَتِهَا وَإِقْبَالِهَا، وَذَرُوهَا عِنْدَ فَتْرَتِهَا وَإِدْبَارِهَا» (انظر: الآداب الشرعية (2/109))، فهنيئاً لذلك الداعية الذي يعرف متى تدبر القلوب، ومتى تقبل، فيحسن الإنكار، ويجيد مخاطبة القلوب. (فقه النصيحة بتصرف).
العوامل المؤثرة في قبول النصيحة أو ردها
هناك عوامل مؤثرة في قبول النصيحة، وقد تؤخرها أحياناً، وقد تصدّ المنصوح عن الأخذ بالنصح أحياناً.
فمما يؤدي إلى قبولها:
1- التزام آداب النصيحة:
فمن راعى في نصحه آداب النصيحة، التي سبق بيانها، رجونا قبول نصحه، وزيادة الودّ له في القلوب، ودل ذلك على الخير الذي فيه والحب الذي يُكِنّه لإخوانه المسلمين. وكم أثمر التزام آداب النصيحة أخوةً صادقة، ووداً متبادلاً، وقرباً دائماً، ودلالة من الخير لا تنكر!!
2- صفاء النفس:
فإن المرء إذا رزقه الله صفاء نفس أورثه ذلك الإنصاف للناس من نفسه، وأحوج الناس إلى الإنصاف المنصوح؛ لأنه إذا لم ينصف ناصحه لا يقبل نصحه، ولا يُسمع لإرشاده، ولا يعمل على ترك ما طلبه منه تركه، والحق أن صافي النفس محكم لقياد نفسه، منتصر على شهواتها وأهوائها، فإذا جاءه من يعينه، على هذا استبشر به، أو عمل بمراده. ولكن وجود هذا الوصف في الناس قليل، فأين هم الصافون في نفوسهم الذين يسمعون لقول الناصحين؟!
ومما يؤدي إلى رد النصيحة:
1- عدم التزام الناصح بآداب النصيحة:
فمن لم يلتزم بآداب النصيحة، ففي الغالب لا تعطي نصيحته ثمرتها، ولا يتحقق لها القبول عند الناس. ولذا فكم رُدت نصيحة؛ لكون صاحبها لم يراع فيها ما يليق بالنصح وأهله. وكم من ناصح ألقى نصحه لغيره بغير أدب ولا ملاطفة، فانقلب أمره من صورة الناصح إلى صورة الشامت المبغض المعادي، الذي لا يرغب الناس في سماع كلامه، ولا مجالسته، ولا الوقوف عند نصحه.
2- الْكِبْر:
فمن وجد فيه الكبر منعه من قبول النصح والأخذ به، ومن خلا قلبه من الكبر رُجي منه قبول النصيحة؛ ذلك لأن الْكِبْر هو «بَطَر الْحَقّ وَغَمْط النَّاس» (مسلم 91)، والنصح من الحق، والناصح من الناس، والمتكبر قد بطر الحق وغمط الخلق، لذا فقد صده ذلك عن قبول النصح، وعلى العكس من ذلك فلو كان متواضعاً لقبل نصح غيره بصدر رحب، ولَمَا استهان بنصح من نصحه، كائناً هذا الناصح من كان؛ لأنه يرى فيه تأدية الواجب، والعمل بحقوق المؤمنين بعضهم على بعض.
3- الإعجاب بالنفس: فمن كان معجباً بنفسه، لا يُرجى منه قبول النصح؛ لأنه لا يرى رأياً ولا فضلاً لغيره عليه، فما دام قد انتفخ وأعجب بنفسه، فأنى له قبول نصح غيره؟! قال الإمام أبو حاتم محمد بن حبان -رحمه الله-: «وأكثر ما يوجد ترك قبول النصيحة من المعجب برأيه» (روضة العقلاء: (ص196)).
ثمار النصيحة
النصيحة بذرة طيبة يبذرها الناصح، ولا بد للبذرة السليمة التي رُوعي فيها ما يصلح الزرع من ثمرة، وكذا النصيحة، فإذا روعيت آدابها وشروطها رجونا أن تتحصل منها الثمار الطيبة، والآثار الخيرة، ويمكن إجمال ثمار النصيحة في الأمور التالية:
1- تنقية المنصوح من الشوائب:
فإن الناصح عندما يرى من منصوحه غفلة عن خير، أو وقوعاً في شر، فيعمد إلى تقوية وتنقية نفسه من الشوائب، سيراً بها إلى التقليل من القصور في حق الله أولاً، ثم في حق عباده ثانياً، وهذا مكسب كبير للإنسان لو تمعن فيه، وهذا تكميل لنقص وقع فيه المرء من حيث لا يدري أو يدري، فإذا بمتطوع يذبّ عنه النقص، ويخلصه من الذنب، وأي شائبة أشد من التقصير في حق ذي الحق؟ وأي نقاء أكرم وأبرك من حرص أخيك عليك؟
2- دوام المحبة والألفة:
فإن المنصوح إذا نصحه الناصح بما يسدد خطأه، ويكمل نقصه، كان ذلك طريقاً لدوام الألفة بين الاثنين؛ ذلك لأن الناصح مُحِبّ لمنصوحه، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه، ولا بد أن يقابله صاحبه بمثل ذلك إن كان عاقلاً، وعليه فكم من نصيحة صادقة أدامت بين الأحبة وداً، وسدت في شخصية أحدهم نقصاً، وأبعدت عن النفس غوائل الشيطان، وألحقت من تأخر وتلكأ بالركب!! قال الإمام ابن حزم - رحمه الله-: «وحدّ النصيحة أن يسوء المرء ما ضر الآخر، ساء ذلك الآخر أم لم يسؤه، وأن يسره ما نفعه، سر الآخر أو ساءه، فهذا شرط في النصيحة زائد على شروط الصداقة» (الأخلاق والسير: (41)).
3- أداء حق الأخوة:
إن الناصح حين ينصح غيره إنما يؤدي ما لأخيه من حق عليه، وهذا الحق يتعلق بحب المرء لغيره مثل ما يحبه لنفسه، وهذا الأمر يؤدى بطرق منها النصيحة. قال الإمام أبو حاتم محمد بن حبان-رحمه الله-: «النصيحة إذا كانت على نعت ما وصفنا تقيم الألفة، وتؤدي حق الأخوة» (روضة العقلاء: (ص197))، وفي هذا يقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-: «من وصل أخاه بنصيحة له في دينه ونظر له في صلاح دنياه: فقد أحسن صلته وأدى واجب حقه...» (تاريخ الطبري: (6/572)).
ولعل سائلاً يسأل هناك كيف تكون النصيحة من حقوق الأخوة مع أن فيها ذكر العيوب، وهذا يوحش القلب؟
اعلم أن الإيحاش: إنما يحصل بذكر عيب يعلمه أخوك من نفسه، فأما تنبيهه على ما لا يعلمه: فهو عين الشفقة، وهو استمالة القلوب، أعني قلوب العقلاء، وأما الحمقى فلا يلتفت إليهم، فإن من ينبهك على فعل مذموم تعاطيته أو صفة مذمومة اتصفت بها لتزكي نفسك عنها، كان كمن ينبهك على حية أو عقرب تحت ذيلك وقد همت بإهلاكك، فإن كنت تكره ذلك فما أشد حمقك! والصفات الذميمة عقارب وحيات وهي في الآخرة مهلكات. (الإحياء: (2/182)).
4- حصول الأجر:
الناصح إذا أسدى لغيره نصحاً استحق عليه الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى، على حرصه على إخوانه، وحبه لهم. (فقه النصيحة بتصرف). قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» (مسلم 2199). قال الإمام المناوي-رحمه الله-: في قوله صلى الله عليه وسلم:«يَنْفَعَ أَخَاهُ» (أي في الدين). (فيض القدير (6/71))، وقد سمّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النصيحة ديناً، فَقَاَلَ صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» (مسلم 55)، والقيام بأوامر الدين: يترتب عليها أجر من الشارع الحكيم.
هذا ما أردت أن يقف عليه القارئ؛ عل في ذلك ما يدفع كاتبه وقارئه وسامعه إلى تمام النصح لمن طلب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم منا نصحهم. هذا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ