ابو ايوب عضو دائم
السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/04/2011
| موضوع: حب ّ الجزائر .. بقلم / يحيى أبوزكريا الثلاثاء أكتوبر 25, 2011 5:45 pm | |
| حب ّ الجزائر ..
بقلم / يحيى أبوزكريا .
إن الجزائر ليست عنوانا لبلد وجغرافيا محددّة بمساحة معينة , و موقعا لدولة في بلاد المغرب العربي , بل إن الجزائر كانت ولا زالت تشكلّ رمزا و إرثا حضاريا وجهاديا و مفهوما جديدا لنضالات الأمم و كفاحها .
ومن يتعمق في تاريخ الجزائر وراهنها يكتشف أنّ هذه البلاد كانت على مدى حركة التاريخ البشري مسقط رأس و موطئ قدم الثائرين و الأحرار و الفاتحين و الفلاسفة و المفكرين والنحاة و المفسرين و الفقهاء والبلغاء و الشعراء و الموسيقيين و المؤرخين و السياسيين و المصلحين و الفلكيين و علماء الفلك و الرياضيات , و لم يتح التنوع الحضاري و الإرث الفكري لأمة مثلما أتيح للجزائر ..
وعلى الرغم من أنّ الحركة الإستعمارية الفرنسية سعت لإستئصال الإرث الفكري و الحضاري الجزائري و التعويض عنه بثقافة كولونيالية جديدة على قاعدة التبعية المطلقة للمحتل , إلاّ أن كل المحاولات الإستعمارية الفرنسية باءت بالفشل الذريع والإنكسار المريع أسوة بالحركات الإستعمارية الغربية السابقة التي حاولت سرقة الجزائر من تاريخها و أصالتها و إفراغها من وقودها الحضاري والفكري ..
و الثورات و الإنتفاضات الجزائرية على إمتداد سنوات إرادة فرض الهيمنة الغربية على الجزائر لم تكن بدافع الحفاظ على الجزائر في بعدها الجغرافي و إن كان ذلك مطلوبا و الأرض كالعرض من لم ينافح عنها لم ينافح عن عرضه , لكن هذه الثورات و الإنتفاضات الجزائرية كانت تهدف إلى الذوذ عن الوقود الحضاري و الثقافي و الإرث المعرفي الجزائري وهو الأمر الذي جعل رجلا في قامة رائد الإصلاح الجزائري عبد الحميد بن باديس يرد على الحاكم الفرنسي في الجزائر عندما طلب منه إصدار بيان لدعم فرنسا في حربها مع الألمان بقوله :
و الله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إله إلاّ الله لما قلتها ..
وقد ساهمت الثورة الجزائرية المقدسة في الإرتفاع بمكانة الجزائر إلى أعلى المستويات الدولية و الجماهيرية , حتى أصبحت الجزائر كعبة للأحرار و صانعة لمسارات التحرير وداعمة لكل الراغبين في الإنعتاق من الظلم والطغيان , و قد أدّى طرفا المعادلة ثروة الفكر وثورة التحرير إلى نتيجة حتمية مفادها أنّ الجزائر ذات خصوصية لا تتوفر في كثير من الأمم و الشعوب , و قد أوجد الله الجزائر لتكون عملاقة رائدة ثائرة حضارية من البداية ..
و من هذا المنطلق على الأجيال الجزائرية و الشباب الجزائري على وجه التحديد أن يعي أن الجزائر ليست مجرّد موقع جغرافي يمتدّ من نقطة إلى أخرى , و أن العلاقة مع هذا الموقع يجب أن تكون علاقة عابر السبيل بالمحطات التي يعبرها ..
إن حب وتقديس الجزائر و إدراك رمزية الجزائر و ما تتضمنه من عناصر قوة و مكونات حضارية و إرث ثقافي وفكري هو المنطق لتأسيس الدولة القوية الناهضة , و قوة الجزائر و التمكين لها هو واجب كل الجزائريين , فالجيل الذي عاش عهد الثورة الجزائرية المقدسة يجب أن يروي لأجيال الإستقلال حكاية الثورة في كل مراحلها و صيرورتها و أن يورّث تفاصيل التفاصيل المتعلقة بهذه الثورة , التفاصيل المتعلقة بأبطالها ورجالها الذين كانوا عندما يقتادون إلى ساحات الإعدام يصرخون " الله أكبر , تحيا الجزائر " , و التفاصيل المتعلقة بنساء الثورة الجزائرية اللائي تركن الأنوثة جانبا وقدن فيالق الجهاد والنضال , يجب على الجزائريين أن يعيدوا قراءة تاريخهم وثورتهم المجيدة , و عنفوان و كبرياء مجاهدينا .
وعلى وزارة الثقافة و الإعلام و مؤسسات الدولة الجزائرية أن تحولّ كل هذا الإرث الحضاري و الفكري و الثوري إلى مسلسلات درامية و أعمال تلفزيونية و أفلام وثائقية و روايات ومسرح و أشعار و أناشيد وأغاني وفن هادف و لوحات تشكيلية ...لأنّ تشبّع أجيال الجزائر بالقيم الوطنية و حب وتقديس الجزائر سيكون مدماك النهضة الجزائرية المرتقبة , و على الجزائريين في كل مواقعهم و بكل إختصاصاتهم أن يبادروا إلى نشر ثقافة حبّ الجزائر وتقديسها , فالمثقفون يجب أن تتمحور نتاجاتهم الفكرية و الإبداعية حول الجزائر , و العمال في المصانع يجب أن يتألقوا في تجويد أعمالهم , و الطلاب والطالبات يجب أن يؤمنوا بأن العلم ثم العلم ثم العلم هو السبيل للنهوض بالجزائر و الحفاظ على إرثها ووقودها الحضاري , و على القوى السياسية أن تؤمن بأن الحوار و النقاش هو المظلة التي يجب أن يلتقي الجزائريون تحتها , و على دوائر القرار أن تجعل من العدل و الأمن الإجتماعي و الثقافي و الإقتصادي من الثوابت السياسية و السيادية و يجب تخصيص بعض من ريع الموارد الطبيعية للفقراء و المحتاجين و مساعدة البطالين في إيجاد مناصب شغل , و يجب قطع كل يد تمتد إلى أقوات الجزائريين و ثروات أجيال الجزائر , فالجميع يجب أن يكون أمينا على الجزائر و خيراتها و موروثها الثقافي , و قبل أن نبني الجزائر يجب أن نحبها ونقدسها و نفهم من تكون , و نعرف تاريخها و دور رجالها السابقين و اللاحقين .
فلنجعل من حبّ الجزائر و تقديسها منطلقا لكل أعمالنا و نتاجاتنا و مشاريعنا , فالجزائر ليست مجرد موقع جغرافي بل هي الجامعة و القدوة و الرمز والشعلة و الخطّ الأحمر و وطن المعجزات ... | |
|