إنّ من الصِّفات النّبيلة والخصال الحميدة التي حبا الله بها نبيَّه الكريم ورسوله العظيم صفة التفاؤل، إذ كان صلّى الله عليه وسلّم متفائلاً في كلّ أموره وأحواله، في حلِّه وترحاله، في حربه وسلمه، في جوعه وعطشه. فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم من صفاته التّفاؤل، وكان يحب الفأل ويكره التّشاؤم، ففي الحديث الصّحيح عن أنس رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصّالح: الكلمة الحسنة'' متفق عليه. والطيرة هي التّشاؤم. وإذا تتبّعنا مواقفه صلّى الله عليه وسلّم في جميع أحواله، فسوف نجدها مليئة بالتّفاؤل والرّجاء وحُسن الظنّ بالله، بعيدة عن التّشاؤم الذي لا يأتي بخير أبدًا.
فمن تلك المواقف ما حصل له ولصاحبه أبي بكر رضي الله عنه وهما في طريق الهجرة، وقد طاردهما سُرَاقة، فيقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم مخاطبًا صاحبه وهو في حال ملؤها التّفاؤل والثّقة بالله: ''لا تحزن إنّ الله معنا، فدعا عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فارتطمت فرسه، أي غاصت قوائمها في الأرض، إلى بطنها'' متفق عليه.
ومنها تفاؤله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الغار مع صاحبه، والكفار على باب الغار وقد أعمى الله أبصارهم، فعن أنس عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ''كنتُ مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الغار، فرفعتُ رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم، فقلتُ: يا نبي الله لو أنّ بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما'' متفق عليه.